اتباع سنة الرسول واجبه

                                       بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
معرفة رسول الله جزء من الدين والعقيدة :
 أيها الأخوة الكرام: نحن في ذكرى مولد النبي عليه الصلاة والسلام، بادئ ذي بدء الله عز وجل حينما يقول:
﴿ وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾
[ سورة هود: 120 ]
 قلب النبي يزداد ثبوتاً ويقيناً وإيماناً لسماع قصة نبي دونه، فما بال قلب المؤمن إذا استمع إلى سيرة النبي؟ إلى خلق النبي وشمائله وأخلاقه ومكارمه ومنهجه؟ فمعرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم جزء من الدين والعقيدة، أقول لكم: إن معرفة سنة النبي القولية، ومعرفة سنته العملية فرض عين على كل مسلم، ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي، إن قرأت القرآن فيه مبادئ ومثل وتوجيهات وأوامر ونواه وقصص وعظات وعبر، أما إن قرأت سيرة النبي فأنت أمام قرآن يمشي هذه واحدة.
 الثانية: النبي عليه الصلاة والسلام يتمتع بالتعبير المعاصر بشفافية من أعلى مستوى، أي أن نفسه الشريفة تشف عن الحقيقة الإلهية، فلذلك الاستجابة إلى رسول الله عين الاستجابة لله.
﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾
[ سورة القصص: 50]
 إرضاء رسول الله عين إرضاء الله، والله ورسوله أحق أن يرضوه بضمير المفرد، طاعة رسول الله عين طاعة الله، يجب أن يخصص وقت مديد من حياة المؤمن لمعرفة هذا النبي الكريم، كلمة الإسلام الأولى لا إله إلا الله محمد رسول الله، الكمال الإلهي الذي جاء في توجيهات القرآن الكريم تمثل به النبي عليه الصلاة والسلام أعلى تمثل، فكأن النبي وصل لقمة الكمال البشري ثم دنا فتدلى.
﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾
[سورة النجم: 8-10]
﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾
[سورة النجم:17-18]
﴿أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى ﴾
[سورة النجم: 12]
محبة النبي عين محبة الله و الاستجابة له عين الاستجابة لله :
 أخواننا الكرام: آية والله أراها فيصلاً قال:
﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ ﴾
[سورة هود: 28]
 المؤمن أولاً آتاه الله بينة، الأمور واضحة حقيقة، الكون والدنيا والإنسان والخير والشر كل شيء واضح ، كل عمل له نتائجه.
﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ﴾
[سورة هود: 28]
 القضية تماماً أن المؤمن آتاه الله بينة، وأنزل عليه رحمة، لكن هذه البينة وتلك الرحمة عميت على الكفار والمنافقين، والإنسان مخير، الله عز وجل يقول:
﴿أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ﴾
[سورة هود: 28]
 فلذلك أيها الأخوة: لأن النبي عليه الصلاة والسلام شفافيته في أعلى مستوى، كنت أضرب مثلاً لعله طريف: إذا كان عندك باب بلور من أرقى أنواع البلور، وكان نظيفاً جداً يختفي وجوده، وكثيراً ما يصطدم أحدنا بلوح بلور صاف، لأن صفاءه الشديد يلغي وجوده، المؤمن إذا كان إخلاصه عال جداً وفني في محبة الله، إذا اتجهت إليه لا ترى إلا حقائق الذنوب، لا ترى نفسه، أما إذا نظرت إلى بلور خشن بالتعبير العامي اسمه محجر لا ترى ما رواءه، تراه هو، فكلما كان إخلاصك أشد ترى ما وراء البلور.
 تشف حقيقة المؤمن عن حقائق الدين، وتشف نفس النبي عليه الصلاة والسلام عن حقيقة الذات الإلهية، لذلك محبة النبي عين محبة الله، الاستجابة إلى النبي عين الاستجابة لله، طاعة النبي عين طاعة الله، ونحن في ذكرى المولد، طرائق كثيرة نجدها في العالم الإسلامي، ومن هذه الطرائق أن نمدحه، أينما ذهبت في الموالد فرق الأناشيد تمدح النبي الكريم، أنا مع المديح لأنه بذكر محمد تحيا القلوب، لكن إذا اكتفينا بمديحه ولم نتبعه نحن حيث نحن، والنبي حيث هو، ونحن في ذكرى المولد لا ينبغي أن نكتفي بمديحه، ولا بالتبرك بآثاره، في الشام تقاليد قديمة، يوجد شعرة النبي في بعض المقامات، يأتي أناس ويحتفلون كل عام ويخرجونها و يتأملونها، شيء رائع جداً، لكن سنة النبي بين أيدينا، الله عز وجل يقول:
) وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم (
[ سورة الأنفال: 33 ]
 المشكلة أن حياتنا اليومية التعامل اليومي حركة حياتنا هل هي وفق منهج النبي حتى يكون اتباعنا له مجدياً؟
النبي معصوم بمفرده أما أمته فمعصومة بمجموعها :
 أول فكرة: شفافية النبي في أعلى مستوى، الفكرة الثانية: النبي معصوم بمفرده وأمته معصومة بمجموعها، النبي عليه الصلاة والسلام عصمه الله من أن يخطئ في أقواله، وأفعاله، وأحواله، وإقراره، لذلك أمرنا أن نتبعه، والله عز وجل لحكمة بالغة فرغ وعاء النبي من أية ثقافة أرضية، لا درس ثقافة اليونان، ولا الإغريق، ولا الصين، ولا أي ثقافة أخرى.
﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴾
[سورة العنكبوت: 48]
 أمية النبي وسام شرف لأنه لم يملأ إلا بالوحي الإلهي.
﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
[سورة النجم: 3-4]
 بينما أميتنا وصمة عار، كنت قد ضربت لكم مثلاً: النبي عليه الصلاة والسلام أمرنا أن نذبح الدابة من أوداجها فقط، ما الحكمة من ذلك؟ أي تعليم علمي من هذا التوجيه؟ مع أن النبي عليه الصلاة والسلام إذا أعطى توجيهاً لا علاقة لهذا التوجيه لا بالبيئة، ولا بالثقافة، ولا بالمحيط، ولا بالخبرة، ولا بالاجتهاد.
﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
[سورة النجم: 4]
 من عند خالق الكون، مضى ألف وأربعمئة عام ولا أحد يدري لماذا أمرنا النبي أن نذبح الشاة من أوداجها فقط وأن يبقى رأسها متصلاً....
 قبل سنوات عدة اكتشف أن القلب يتلقى أمراً بالنبض منه ذاتياً، هناك ثلاثة مراكز كهربائية في القلب إن تعطل الأول عمل الثاني، وإن تعطل الثاني عمل الثالث، لكن هذه المراكز لا تعطي إلا الضربات النظامية فقط، ثمانون ضربة، أما أن يرتفع وجيب القلب إلى مئة وثمانين ضربة فهذا يحتاج إلى أمر استثنائي، يأتي عن طريق الدماغ من الكظر، مهمة القلب بعد الذبح إخراج الدم، لو قطع الرأس تعطل الأمر الاستثنائي وبقي الأمر نظامياً، ضربات القلب النظامية لا تخرج إلا ربع الدم، أما إذا بقي الرأس موصولاً يأتي الأمر الاستثنائي فيرفع ضربات القلب إلى مئة وثمانين ضربة، عندئذ كل الدم في الدابة يطرح إلى خارجها فترى اللحم أزهر اللون، الآن اكتشف، والله أيها الأخوة: يقيني الذي لا يتزعزع والله كل قطرة من دمي وكل خلية في جسمي تؤكد أن الأحاديث النبوية الصحيحة التي فيها توجيهات لا يمكن أن تكون من عنده.
﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
[سورة النجم: 4]
 من عند الخبير، أستاذ في الجامعة بقي ثلاثين عاماً يتناطح مع بقية زملائه وهو موقن بلا دليل أن شرب الماء مع الطعام مفيد، بينما علماء الطب لثلاثين عاماً سابقة يعتقدون أن شرب الماء مع الطعام يضعف الهضم، لأن في المعدة عصارة هاضمة، فإذا جاء الماء الكثير مددت، وإذا مددت ضعف مفعولها، لذلك ينصح الأطباء ألا تشرب مع الطعام ماء، بعد حين هذا الطبيب المسلم أثبت يقينه من حديث رسول الله:
((عَنْ مِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ ))
[الترمذي عَنْ مِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ]
 المفاجأة التي لا تصدق أنه قبل سنتين أو ثلاث اكتشف أن شرب الماء مع الطعام يزيد من فعالية الهضم، النبي أعطى هذا التوجيه.
 شعوري أن أي توجيه صحي أو اجتماعي، لو سألت عن حالات الفاحشة، تجد أن تسعمئة حالة من ألف بسبب الخلوة مع أجنبية، النبي قال:
(( لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ))
[الترمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ ]
مخالفة منهج الله أكبر مصيبة يعانيها المسلمون اليوم :
 والله أيها الأخوة: الإنسان لو عنده وقت ما من مشكلة يعانيها المسلمون في كل أقطارهم إلا بسبب مخالفة لمنهج الله، ما من مصيبة إلا بسبب مخالفة، وما من مخالفة إلا بسبب جهل.
 لي قريب يعمل في المطار حدثني عن هذه القصة لعلي ذكرتها لكم: عامل في المطار يعمل على تنظيف الطائرة، أثناء التنظيف اكتشف بغرفة العجلة مكاناً واسعاً، جلس في هذا المكان لينتقل إلى بلد بعيد بلا أجرة، وبلا فيزا، وبلا أي وثيقة، فظن نفسه ذكياً جداً، جلس بهذه الغرفة والطائرة متجهة إلى ليبيا، بعد إقلاع الطائرة بقليل أراد الطيار أن يرفع العجلات فأرخى قعر هذه الغرفة فنزل ميتاً، هو أراد أن يموت؟ أراد أن يكون أذكى من كل الناس، أن يوفر ثمن البطاقة ويدخل بلا وثائق، ما الذي قتله؟ جهله، قال لي أحد الخبراء: هناك مكان في الغرفة ثابت غير متحرك لو عرفه لما وقع، لكن بعد عشر دقائق يموت من البرد، خمسون تحت الصفر، ما الذي قتله؟ جهله، والأزمة أزمة علم فقط، لو أتيح لأكفر كفار الأرض أن يعرف الحقائق التي جاء بها الأنبياء لكان مؤمناً.
خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت فقط :
 أيها الأخوة: أقول لكم هذه الكلمة: أنت لك خيارات عديدة، تختار شراء هذا البيت أو رفضه، تختار الزواج من هذه الفتاة أو ترفضها، تختار هذا السفر أو ترفضه، تختار هذا العمل أو ترفضه، خيارك مع آلاف الأشياء خيار قبول أو رفض، إلا خيارك مع الإيمان خيار وقت فقط، أي كافر تريد؟ ألا يكفي أن يكون أكفر كفار الأرض عند الموت قال:
﴿قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
[سورة يونس: 90]
 الإيمان حاصل، والإيمان الصحيح القطعي اليقيني حاصل لكل إنسان على وجه الأرض عند الموت لكن بعد فوات الأوان.
﴿آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾
[سورة يونس: 91]
 القضية قضية وقت فقط، إما أن تؤمن في الوقت المناسب، أو أن الإيمان بعد فوات الأوان لا قيمة له إطلاقاً، بل يزيد الهلاك هلاكاً وأسفاً وندماً، لذلك ورد في بعض الأحاديث:
((إن العار ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول: يا رب لإرسالك بي إلى النار أهون علي مما ألقى وإنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب))
[ورد في الأثر ]
 أهل النار في النار يقولون:
﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾
[سورة الملك: 10]
 أزمة علم فقط.
اتباع النبي يرقى بالإنسان إلى أعلى عليين :
 إذاً علاقتنا بذكرى المولد علاقة اتباع، المديح لا يجدي، مع أنني والله أحبه، يقول أحد الأدباء: إن الشعر مصباح كمصباح علاء الدين يكشف لك عن كنوزك أنت المخبوءة في أعماق نفسك، ولكنه ليس بالكيس المملوء الذي يفرغ في خزائنك الخاوية، أنت بالمديح إذا كان بداخلك حب يتحرك، إنسان عنده مبالغ طائلة في صندوقه الحديدي، فإذا فتح الصندوق وتأمل الذهب والعملات الأجنبية يشعر براحة في تصور أهل الدنيا طبعاً، فعندما تستمع لمديح رسول الله إذا كان هناك محبة له ويقين بكماله تتأثر، لكن المديح لا يزيدك علماً، يكشف ما عندك فقط، كاشف لما عندك من حب، لكن اتباع النبي هو الذي يرقى بك

تعليقات